الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله قد جعل لبعض الأزمنة والأمكنة شرفاً وفضلاً عن غيرها.. ففضل بعض الأمكنة على بعض، فقد فضل مكة على المدينة، وفضل المدينة على المسجد الأقصى، وفضل المسجد الأقصى على غيره من المساجد. وأما الأزمنة: فقد فضل رمضان على سائر الشهور، وفضل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع.
وبما أن الله قد فضل رمضان على سائر الشهور فلا بد من العناية بهذا الشهر الكريم، والفرحة والابتهاج عند قدومه.
فمرحباً أهلاً برمضان، شهر الصلاة والصيام والقيام، وقراءة القرآن.. فو لله لا نملك إلا أن نقول:
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كــل عام
قد لقيناك بحب مفعــم كل حب في سوى المولى حرام
فاقبــل اللهم ربِّ صومنا ثم زدنا من عطاياك الجســام
لا تعاقبنا فقـــد عاقبنا قلق أسهـــرنا جنحَ الظلام
في رمضان تغفر الذنوب، وتستر العيوب، ويظهر كل مرغوب. أيام رمضان أسعد الأيام، ولياليه أحلى الأيام، وساعاته من أجمل الساعات، ولذلك فقد كان سلفنا الصالح يحنون ويئنون على فراقه ستة أشهر كاملة، فيدعون الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبله منهم. وكانوا يستقبلونه ستة أشهر أخرى فرحاً وابتهاجاً بقدومه، ويدعون الله أن يبلغهم إياه.
ولكن في هذه الأزمنة -للأسف- منا من يفرح بقدوم رمضان ليحصل على المال الوفير، وليعمل في التجارة ليل نهار، ونسي هذا وأمثاله أو تناسى أن أعظم تجارة رابحة هي التجارة مع الله، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}1. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} 2. فهلا تاجرت أيها الأخ الحبيب مع الله -سبحانه وتعالى- لتسعد وتفوز في الدنيا والآخرة؟!.
ومنا من يفرح بقدوم رمضان لينام في النهار عن فرائض الله، وحقوق أهله وأسرته، ويسهر في الليل على تناول المأكولات والمشروبات. بل الأدهى من ذلك من يقضون ليالي رمضان في السهر على مشاهدة الأفلام التي تظهر كل الشر، أو سماع أصوات المطربين والمغنين، وما تبثه القنوات الفضائية من سموم وهموم، عن طريق البرامج المختلفة.
ولكننا مع هذا كله نرى ما تثلج له الصدور، وتقر به العيون من شباب وشيوخ، وفتيات ونساء، يفرحون بقدوم رمضان للفوز بمغفرة الذنوب والآثام، والعتق من النيران، والفوز بالجنان، فنجدهم قد أعدوا واستعدوا وشمروا عن سواعد الجد والاجتهاد لفعل ما يرضي الرحمن، فمنهم الباكي على تقصيره وتفريطه في جنب الله، وإسرافه على نفسه بالذنوب والمعاصي، ومنهم الخاشع الراكع، ومنهم التالي المتدبر لكتاب الله، ومنهم المتضرع الرافع حاجته إلى خالقه ومولاه..
يتشوقون إلى رمضان شوق الغريب إلى بلده، والطفل الرضيع الفاقد لأمه، ويستقبلونه بالتوبة إلى الله من جميع الذنوب، ويرحبون به بلسان الحال والمقال.
أتاك شهر السعد والمكرمات فحَيِّه في أجمل الذكـريات
يا موسم الغفـران أتحفتنـا أنت المنى يا زمن الصالحات