الأركان هي: الأعمال القولية، أو الفعلية التي لا تصح الصلاة إلا بها، ولا تقوم إلا بها.
فمن ذلك: القيام مع القدرة وهذا ركن في الفرض خاصة.
ومن ذلك: تكبيرة الإحرام أن يقوم الإنسان عند الدخول في الصلاة "الله أكبر" ولا يمكن أن تنعقد الصلاة إلا بذلك، فلو نسى الإنسان تكبيرة الإحرام فصلاته غير صحيحة وغير منعقدة إطلاقاً؛ لأن تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل علمه كيف يصلي قال:
"إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر"(1).
فلابد من التكبير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مداوماً على ذلك.
ومن ذلك قراءة الفاتحة: فإن قراءة الفاتحة ركن
لا تصح الصلاة إلا به لقوله تعالى:
(فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن).
وهذا أمر مبهم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبهم في قوله (مَا تَيَسَّرَ) بأنه الفاتحة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(2).
وقال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب أو بأم القرآن فهي خداج"(3). أي فاسدة غير صحيحة.
فقراءة الفاتحة ركن على كل مصل: الإمام، والمأموم والمنفرد؛ لأن النصوص الواردة في ذلك عامة لم تستثن شيئاً، وإذا لم يستثن الله – تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم شيئاً فإن الواجب الحكم بالعموم؛ لأنه لو كان هناك مستثنى لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله:
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء).
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح في سقوط الفاتحة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية. لكن الفرق بين السرية والجهرية: أن الجهرية لا تقرأ فيها إلا الفاتحة وتسكت وتسمع لقراءة إمامك.
أما السرية فتقرأ الفاتحة وغيرها حتى يركع الإمام، لكن دلت السنة على أنه يستثنى من ذلك ما إذا جاء الإنسان والإمام راكع، فإنه إذا جاء والإمام راكع تسقط عنه قراءة الفاتحة،
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي بكرة – رضي الله عنه -: أنه دخل والرسول صلى الله عليه وسلم راكع في المسجد فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم الذي صنع هذا؟" قال أبو بكرة: أنا يا رسول الله قال: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(4)،
فقال له: "زادك الله حرصاً ولا تعد" أي لا تعد لمثل هذا العمل فتركع قبل الدخول في الصف وتسرع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الصلاة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار"(5).
ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة التي أسرع لإدراكها، ولو كان لم يدركها لأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بقضائها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه مبلغ والمبلغ يبلغ متى احتيج إلى التبليغ، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل له إنك لم تدرك الركعة علم أنه قد أدركها وفي هذا الحال تسقط عنه الفاتحة، وهناك تعليل مع الدليل وهو: أن الفاتحة إنما تجب مع القيام، والقيام في هذه الحال قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط الذكر الواجب فيه. فصار الدليل والتعليل يدلان على أن من جاء والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم ولا يقرأ، بل يركع مباشرة، ولكن إن كبر للركوع مرة ثانية فهو أفضل، وإن لم يكبر فلا حرج وتكفيه التكبيرة الأولى. ويجب أن يقرأ الإنسان الفاتحة وهو قائم، وأما ما يفعله بعض الناس إذا قام الإمام للركعة الثانية مثلاً تجده يجلس ولا يقوم مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة فتجده يجلس إلى أن يصل نصف الفاتحة ثم يقوم وهو قادر على القيام. نقول لهذا الرجل: إن قراءتك للفاتحة غير صحيحة؛ لأن الفاتحة يجب أن تكون في حال القيام، وأنت قادر على القيام وقد قرأت بعضها وأنت قاعد، فلا تصح هذه القراءة. أما ما زاد على الفاتحة فهو سنة في الركعة الأولى والثانية، وأما في الركعة الثالثة في المغرب، أو في الثالثة والرابعة في الظهر والعصر والعشاء فليس بسنة، فالسنة الاقتصار فيما بعد الركعتين على الفاتحة، وإن قرأ أحياناً في العصر والظهر شيئاً زائداً على الفاتحة فلا بأس به، لكن الأصل الاقتصار على الفاتحة في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول إن كانت رباعية، أو الركعة الثالثة إن كانت ثلاثية. ومن أركان الصلاة: الركوع وهو الانحناء تعظيماً لله عز وجل لأن تستحضر أنك واقف بين يدي الله فتنحني تعظيماً له عز وجل. ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
"أما الركوع فعظموا فيه الرب"(1).
أي قولوا: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن الركوع تعظيم بالفعل، وقول "سبحان ربي العظيم" تعظيم بالقول، فيجتمع التعظيمان، بالإضافة إلى التعظيم الأصلي وهو تعظيم القلب لله. فيجتمع في الركوع ثلاث تعظيمات: الأول: تعظيم القلب. الثاني: تعظيم الجوارح. الثالث: تعظيم اللسان. والواجب في الركوع الانحناء بحيث يتمكن الإنسان من مس ركبتيه بيديه، فالانحناء اليسير لا ينفع فلابد من أن تهصر ظهرك حتى تتمكن من مس ركبتيك بيديك. وقال بعض العلماء: إن الواجب أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام. والمؤدي متقارب، والمهم أنه لابد من هصر الظهر. ومما ينبغي في الركوع أن: يكون الإنسان مستوي الظهر لا محدوباً، وأن يكون رأسه محاذياً لظهره، وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، وأن يجافي عضديه عن جنبيه ويقول سبحان ربي العظيم يكررها ويقول: "سبحانك اللهم وبحمد اللهم اغفر لي"(2). ويقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"(3). ومن أركان الصلاة: الرفع من الركوع لقوله عليه الصلاة والسلام: "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً"(4). ومن أركان الصلاة: السجود، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين"(1). فالسجود لابد منه لأنه ركن لا تتم الصلاة إلا به. ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، وتأمل الحكمة أنك في الركوع تقول: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن الهيئة هيئة تعظيم، وفي السجود تقول: "سبحان ربي الأعلى" لأن الهيئة هيئة نزول. فالإنسان نزل أعلى ما في جسده وهو الوجه إلى أسفل ما في جسده وهو القدمين، فترى في السجود أن الجبهة والقدمين في مكان واحد، وهذا غاية ما يكون من النزول، ولهذا تقول: "سبحان ربي الأعلى" أي أنزه ربي الأعلى الذي هو فوق كل شيء عن كل سفل ونزول، أما أنا فمنزل رأسي وأشرف أعضائي إلى محل القدمين ومداسها، فتقول سبحان ربي الأعلى تكررها ما شاء ثلاثاً، أو أكثر حسب الحال وتقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"(2). وتقول: "سبوح قدوس ربك الملائكة والروح"(3) وتكثر من الدعاء بما شئت من أمور الدين، ومن أمور الدنيا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(4). وقال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"(5). فأكثر من الدعاء بما شئت من سؤال الجنة، والتعوذ من النار، وسؤال علم نافع، وعمل صالح، وإيمان راسخ وهكذا، وما شئت من خير الدين والدنيا، لأن الدعاء عبادة ولو في أمور الدنيا قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم)، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). وعلى الإنسان أن لا يستبطئ الإجابة؛ لأن الله حكيم قد لا يجيب الدعوة بأول مرة، أو ثانية، أو ثالثة من أجل أن يعرف الناس شدة افتقارهم إلى الله، فيزدادوا دعاء، والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، حكمته بالغة لا نستطيع أن نصل إلى معرفتها، ولكن علينا أن نفعل ما أمرنا به من كثرة الدعاء. وصفة السجود أن يسجد على ركبتيه أولاً، ثم كفيه، ثم جبهته وأنفه. ولا يسجد على اليدين أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك البعير"(6). وبروك البعير يكون على اليدين أولاً كما هو مشاهد، وإنما نهى الرسول عن ذلك لأن تشبه بني آدم بالحيوان، ولا سيما في الصلاة أمر غير مرغوب فيه، ولم يذكر الله تشبيه بني آدم بالحيوان إلا في مقام الذم، استمع إلى قول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) (الأعراف: 175-176)، وقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ) (الجمعة: 5)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه"(7)، وقال: "الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً"(
. فأنت ترى أن تشبيه بني آدم بالحيوان لم يكن إلا في مقام الذم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يبرك كما يبرك البعير فيقدم يديه، بل قدم الركبتين إلا إذا كان هناك عذر كرجل كبير يشق عليه أن ينزل على الركبتين أولاً فلا حرج، أو إنسان مريض، أو إنسان في ركبته أذى وما أشبه ذلك. ولابد أن يكون السجود على الأعضاء السبعة: الجبهة، والأنف والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين"(1). ونسجد على الأعضاء السبعة في جميع السجود، فما دمنا ساجدين فلا يجوز أن نرفع شيئاً من هذه الأعضاء، بل لابد أن تبقى هذه الأعضاء مادمنا ساجدين. وفي حال السجود ينبغي للإنسان أن يضم قدميه بعضهما إلى بعض ولا يفرج. أما الركبتان فلم يرد فيهما شيء فتبقى على ما هي عليه. وأما اليدان فتكون على حذو المنكبين أي الكتفين، أو تقدمها قليلاً حتى تسجد بينهما، فلها صفتان كلتاهما وردتا عن الرسول عليه الصلاة والسلام. وينبغي أن تجافي عضديك عن جنبيك وأن ترفع ظهرك، إلا إذا كنت في الصف وخفت أن يتأذى جارك من مجافاة العضدين فلا تؤذي جارك؛ لأنه لا ينبغي أن تفعل سنة يتأذى بها أخوك المسلم وتشوش عليه. وقد رأيت بعض الأخوة الذين يحبون أن يطبقوا السنة يمتدون في حال السجود امتداداً طويلاً حتى تكاد تقول: إنهم مبطحون وهذا لا شك أنه خلاف السنة، وهذه الصفة كما أنها خلاف السنة ففيها إرهاق عظيم للبدن؛ لأن التحمل يكون على الجبهة والأنف في هذه الحال وتجد الإنسان يضجر من إطالة السجود. ففيها مخالفة السنة، وتعذيب البدن، فلهذا ينبغي أن يرشد من يفعل ذلك، وأن يبين له أن ذلك ليس بسنة. وينبغي في حال السجود أيضاً أن يكون الإنسان خاشعاً لله عز وجل، مستحضراً علو الله سبحانه وتعالى، لأنك سوف تقول: "سبحان ربي الأعلى" أي تنزيهاً له بعلوه عز وجل عن كل سفل ونزول، ونحن نعتقد بأن الله عال بذاته فوق جميع مخلوقاته كما قال الله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى). وإثبات علو الله في القرآن والسنة أكثر من أن يحصر. وقد تقدم الكلام على ذلك بحمد الله تعالى. ومن أركان الصلاة: الجلوس بين السجدتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم رافع حتى تطمئن جالساً". ومن أركان الصلاة: السجود الثاني؛ لأنه لابد في كل ركعة من سجودين. ومن الأركان: التشهد الأخير لقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" فدل هذا على أن التشهد فرض. ومن الأركان: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير على المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -. ومن الأركان: الترتيب بين الأركان، فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته؛ لأنه أخل بالترتيب. ومن أركان الصلاة: الطمأنينة: أي الاستقرار والسكون في أركان الصلاة. يطمئن في القيام، وفي الركوع، وفي القيام بعد الركوع، وفي السجود وفي الجلوس بين السجدتين وفي بقية أركان الصلاة، وذلك لما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء فدخل المسجد فصلى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"(1) أي لم تصل صلاة تجزئك، فرجع الرجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع وصلى ولكنه كصلاته الأولى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه فرد عليه وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، وهذه هي الفائدة من كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه لأول مرة بل ردده حتى صلى ثلاث مرات من أجل أن يكون متشوقاً للعلم، مشتاقاً إليه حتى يأتيه العلم ويكون كالمطر النازل على أرض يابسة تقبل الماء، ولهذا أقسم بأنه لا يحسن غير هذا، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعلمه لكن فرق بين المطلوب والمجلوب، إذا كان هو الذي طلب أن يعلم صار أشد تمسكاً وحفظاً لما بلغ إليه، وتأمل قسمه بالذي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالحق، فقال: "والذي بعثك بالحق" ولم يقل والله. لأجل أن يكون معترفاً غاية الاعتراف بأنما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم حق. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" أي توضأ وضوءً كاملاً "ثم استقبل القبلة فكبر" أي قل الله أكبر وهذه تكبيرة الإحرام "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وقد بينت السنة أنه لابد من قراءة الفاتحة "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" أي لا تسرع بل اطمئن واستقر "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً" أي إذا رفعت من الركوع اطمئن كما كنت في الركوع، ولهذا من السنة أن يكون الركوع والقيام من الركوع متساويين أو متقاربين "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" أي تطمئن وتستقر، "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" وهذه الجلسة بين السجدتين "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" هذا هو السجود الثاني "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" أي افعل هذه الأركان: القيام، والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والسجدة الثانية في جميع الصلاة. والشاهد من هذا قوله: "حتى تطمئن" وقوله فيما قبل: "إنك لم تصل". فدل هذا على أن من لا يطمئن في صلاته فلا صلاة له. ولا فرق في هذا بين الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود والجلوس بين السجدتين كلها لابد أن يطمئن الإنسان فيها. قال بعض العلماء: إن الطمأنينة أن يستقر بقدر ما يقول الذكر الواجب في الركن، ففي الركوع بقدر ما تقول "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود كذلك وهكذا، ولكن الذي يظهر من السنة أن الطمأنينة أمر فوق ذلك؛ لأن كون الطمأنينة بمقدار أن تقول "سبحان ربي العظيم" في الركوع لا يظهر أثر، لأن الإنسان إذا قال: "الله أكبر سبحان ربي العظيم" ثم يرفع أين الطمأنينة؟ الظاهر أنه لابد من استقرار بحيث يقال هذا الرجل مطمئناً، وعجباً لابن آدم كيف يلعب به الشيطان وهو واقف بين يدي الله عز وجل، يناجي الله، ويتقرب إليه بكلامه، وبالثناء عليه، وبالدعاء ثم كأنه ملحوق في صلاته كأنما كان عدواً لاحق له فتراه يهرب من الصلاة. أنت لو وقفت بين يدي ملك من ملوك الدنيا يناجيك ويخاطبك لو بقيت معه ساعتين تكلمه لوجدت ذلك سهلاً، وتفرح أن هذا الملك يكلمك، فكيف وأنت تناجي ربك الذي خلقك، ورزقك، وأمدك، وأعدك، تناجيه وتهرب هذا الهروب. لكن الشيطان عدو للإنسان والعاقل الحازم المؤمن هو الذي يتخذ الشيطان عدواً كما قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6). فالواجب على الإنسان أن يطمئن في صلاته طمأنينة تظهر عليه في جميع أفعال الصلاة وكذلك أقوالها. ومن أركان الصلاة وهو الأخير: التسليم بأن يقول في منتهى صلاته: السلام عليكم ورحمة الله. والصحيح: أن التسليمتين كلتاهما ركن، ولا يجوز أن يخل بواحدة منهما لا في الفرض أو النفل. وذهب بعض العلماء: إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في الفرض والنافلة. وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الركن التسليمة الأولى في النافلة فقط، دون الفريضة فلابد من التسليمتين