هديه صلى الله عليه وسلم في الأعياد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيها الإخوة: ما من أمر إلا وقد بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان، وما من خير إلا وأرشد إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه.
والمطلوب من المسلم هو: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره في كل شيء، ومن الأمور التي يجب على المسلم السؤال عنها واتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحكام العيد، ما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد؟ سؤال يجب أن ينقدح في ذهن المسلم ليعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ويتبعه ليحصل على الأجر والمثوبة.
والعيد سمي بذلك؛ لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان أي أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها الفطر بعد المنع عن الطعام وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغيرها؛ ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالباً بسبب ذلك، وأصل معنى كلمة عيد: عود، والعود هو الرجوع، فهو يعود ويتكرر بالفرح كل عام1.
والمسلمون لهم عيدان، عيد الفطر وعيد الأضحى، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فقال: ((قدمت عليكم ولكم يومان تلعبون فيهما، فإن الله قد أبدلكم يومين خيرا منهما، يوم الفطر، ويوم النحر))2.
وأما عن هديه في العيد فقد كان صلى الله عليه وسلم يعظم يوم العيد، ويصلي فيه صلاة العيد، قال ابن القيم وقد كان يؤدي الصلاة في المصلى، ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة، أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث وهو في سنن أبي داود وابن ماجه، وهديه كان فعلهما في المصلى دائماً.
وكان صلى الله عليه وسلم يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين، ومرة برداً أحمر، وليس هو أحمر مصمتاً كما يظنه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك، لم يكن برداً، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض النهي عن لبس المعصفر والأحمر. وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما، فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهية الشديدة ثم يلبسه، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر، أو كراهيته كراهية شديدة.
وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وتراً، وأما في عيد الأضحى، فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى، فيأكل من أضحيته.
وكان صلى الله عليه وسلم يغتسل للعيدين3. وكان يخرج ماشياً، والعنزة تحمل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها4، فإن المصلى كان إذ ذاك فضاءٌ لم يكن فيه بناء ولا حائط، وكانت الحربة سترته.
وكان صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة عيد الفطر، ويعجل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس، ويكبر من بيته إلى المصلى.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة والسنة: أنه لا يفعل شيء من ذلك.
ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.
وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين، يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية التكبيرات، ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه ويصلي، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير، أخذ في القراءة، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ بعدها {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}[ق: 1] في إحدى الركعتين، وفي الأخرى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[القمر: 1] وربما قرأ فيهما {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى: 1] ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}[الغاشية: 1]، صح عنه هذا وهذا ولم يصح عنه غير ذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة، انصرف فقام مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه, أو يأمر بشيء أمر به5.
قال: ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه، ولم يكن يخرج منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض. قال جابر: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن6.
وقال أبو سعيد الخدري: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول ما يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم7.
قال: وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتح خطبتي العيدين بالتكبير، وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة، ويكثر التكبير في خطبتي العيدين.
وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية قال: وهو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذهم).
ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد، أن يجلس للخطبة وأن يذهب.
ورخص صلى الله عليه وسلم لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة، أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة، قال ابن قدامة في المغني: وإن اتفق عيد في يوم جمعة، سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا ألاَّ يجتمع له من يصلي به الجمعة، وقيل في وجوبها على الإمام روايتان8.
وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجع في آخر فقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجه، والأخرى تحط خطيئته حتى يرجع إلى منزله، وقيل هو الأصح: إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.
وروى عنه، أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد9.
ومن هديه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالخروج لصلاة العيد في المصلى حتى النساء بل وحتى الحيض منهن لما روت أم عطية قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين10.
ومن هديه صلى الله عليه وسلم في وقت صلاة العيد من بعد طلوع الشمس قيد رمح أو رمحين، إلى قبيل وقت الزوال أي قبل دخول وقت الظهر، وهو وقت صلاة الضحى، للنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس.
ومن هديه صلى الله عليه وسلم أنه يؤخر صلاة عيد الفطر، ويعجل الصلاة في عيد الأضحى والحكمة من ذلك: أنه يؤخر الصلاة في عيد الفطر ليتمكن من لم يكن أخرج زكاة الفطر من إخراجها، ويعجل في الصلاة في عيد الأضحى حتى يرجع الناس ويذبحون أضحياتهم.
والعيد فرصة عظيمة لإصلاح ذات البين فمن كانت بينه وبين أخيه شحناء فليذهب ويسلم عليه ويصلح ما بينه وبينه.
وكذلك فإن العيد فرصة لزيارة وصلة الرحم وزيارة الأهل والأصدقاء.
وأخيراً: العيد شرعه الله طاعة ليفرح المؤمنون بما وفقهم الله لطاعته ففي الفطر يفرحون لإكمالهم صيام وقيام الشهر، وفي الأضحى يفرحون بما أنعم الله عليهم من الوقوف، وإتمام مناسك الحج.
ألا فلا نحول العيد إلى معاصي لله تعالى بالأغاني والمجون والتنزه في الحدائق التي فيها الاختلاط وما أشبه ذلك؛ فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأعياد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
1 الفقه الإسلامي وأدلته (2/362).
2 رواه أحمد في المسند (12827)، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2021).
3 زاد المعاد (1/ 425).
4 رواه البخاري (930).
5 رواه البخاري (913).
6 رواه البخاري (4951)، ومسلم (885).
7 رواه البخاري (913).
8 المعني (2/358).
9 انظر: زاد المعاد (1/441-449).
10 رواه مسلم (2