بسم الله الرحمن الرحيم
يروى أنه قدم شيخ جليل ذو علم كبير من بلاد بعيده على أحد أصحابه في بلد أخر ففرح هذا الرجل وتهلل لقدوم الشيخ لبيته خاصة وأن الشيخ لم يزوره منذ ما يقرب من عام فما كان من الرجل إلا أن سعد وفرح ورحب بالشيخ ثم تركه في البيت وجري مسرعاً إلى محل يبيع الخمور فأشترى الكثير من زجاجات الخمر ثم رجع للبيت مسرعاً ففتح الراديو على الأغانى وقدم الخمر للشيخ وأخذ يشرب الخمر ويرقص وقال للشيخ هذا أفضل إحتفال أفعله لك ومن أجلك وكان يقول ذلك وهو تبدو عليه ملامح الجد والشيخ في حاله من الذهول وعدم التصديق لما يراه ...... ثم أدخل الرجل أولاده وهم كبار بسن العشرون وطلب منهم أن يرقصوا ويغنوا كما يفعل إستقبالا للشيخ الذي حل ضيفا عليهم فرفض واحد كلام أباه وأنصرف وأخذ الأخرين يفعلون كما يفعل أباهم فما كان من الشيخ إلا أحمر وجهه وغضب وقال لصاحبه أتظن أن هكذا يكون الإستقبال ؟! أتستقبلنى بما حرم ربى ؟! أتستهزأ بي وأنت تعلم من أكون ؟! فسخط الرجل من الشيخ وقال أبعد كل ما فعلته لك تغضب منى نعم إن هذا هو أفضل إستقبال لك ... بكى الشيخ ووعظه وقال له أسأت إلي وجرحتى وأهانتنى ولكن رغم كل ما فعلت لن أستطيع أن أقطع صلتى بك لأنى أحبك ورحل وهو حزين مهموم قلبه يتقطع حزنا على صاحبه ياترى هل سيراه العام القادم عندما يأتى أم لا ؟؟
هذه قصة واقعية حدثت بالفعل أشخاصها معروفون لنا جميعا فلا تتعجب منها فإنها ليست خيالا نسجته ولا سطورا سطرتها بيدى بل هو واقع وقبل أن أكشف لكم عن ملامح أشخاصها ومن يكونوا تعالوا معى نتأمل القصة ياترى هل ما فعله الرجل مع الشيخ صحيح ؟! وهل كان حقا يعتقد أن الشيخ كان سيسعد بهذا الإستقبال ؟! هل أصابه الجنون ؟؟ ولماذا أطاع الأولاد أباهم وهم كبار ناضجين ؟؟ ياترى ما الذي كانوا يفكرون فيه ؟؟
هل كان بكاء الشيخ وحزنه من صاحبه أمر طبيعى ؟؟ وياترى هل لو كنت مكان هذا الرجل كيف كنت ستستقبل هذا الشيخ الجليل ؟؟ تريث قليلا قبل الإجابة عن الأسئلة وفكر جيدا ولا تتهم الرجل لا بالجنون ولا بقله الذوق وحتى توضح الصورة وتكتمل ملامحها سأخبركم من كان هذا الشيخ الجليل أهو الشيخ الشعراوى أم الشيخ عمر عبد الكافى أم محمد حسان هو شيخ أكبر قدرا يحترمه العلماء جلهم ويوقرونه لما علموا من فضله وفضائله إنه رمضـــــــــــان شهر القرآن شهر يأتى كل عام ليحل علينا ضيفا كريما عزيزا على قلوبنا هذا الضيف الذى لا يأتي في العام إلا مرة واحدة فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وشهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين وفيه ليلة عظيمة ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدرفهل نستقبله بتوقير وإجلال كما كان سلفنا الصالح ؟؟ فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ففيه تزكية للنفس وقرب من الله وفيه أيضا تغلق أبواب النار وتفتح أبواب الرحمة لذلك كانوا يتهللون ويفرحون بقدومه وكانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان قبل رمضان ب6 أشهر ثم يدعونه أن يتقبله منهم 6 أشهر أخرى , كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب , وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن , كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام , كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله
هكذا كان إستقبال سلفنا الصالح لشهر رمضان شهر العتق من النيران فكيف نحن ؟!
تعالوا معى أخبركم من الرجل الذي أستقبل الشيخ الجليل { رمضان } إنه التليفزيون بقنواته التي تمتلأ عن أخرها بمسلسلاته وبرامجه التي تلهي وتضيع أوقاتنا وتصرفنا عن الإستمتاع بحلاوة هذا الشهر العظيم وثوابه فتعج القنوات وتتنافس بشكل رهيب لا نجده يحدث في أي شهر أخر وكأنهم يتحدوا بعض أي قناة ستضيع ثواب رمضان على الأمة وأى مسلسل سيجذب أعين المسلمين عن القرآن وهم في ذلك يدعون أن هذا هو أفضل إستقبال لشهر رمضان فياترى هو إستقبال أم إستهزاء بفضل هذا الشهر الذي خصه الله عن باقي الأشهر ؟!
وبقى أولاد الرجل الذي إستقبل الشيخ لم نكشف عنهم بعد أتعلمون من هم ؟! إنهم نحن فمنا من أنصرف عن هذا التليفزيون وما يحويه من اللهو والإستهزاء بشهر رمضان وأشتغل بالطاعة لما علمه من فضائل هذا الشهر العظيم وكيف لا وهو شهر واحد أيامه معدوده فإن فاتت وضاعت ضاع معها خير كثير لا يعوض فبصيامه تغفر خطايا العام فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله تعالى له ماتقدم من ذنبه ( ويضاعف الله لنا الأجر ويسعد بنا ويستجيب دعائنا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به , يدع طعامه وشرابه من أجلي , للصائم فرحتان : فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه , ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك ) والأجمل والأحلى أنه بثلاثون يوما فقط تفتح لنا أبواب الجنان فينادى علينا لدخولها من باب خاص لنا تكريما وتشريفا لنا إنه فضل الله إنها الجائزة الكبرى وغاية كل منا فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان) . الله كريم أعطانا شهر ليمحصنا وينقينا به من الخطايا والذنوب ويرزقنا به الجنة أياترى من منا سينال هذا الفضل غير منقوص ؟؟
نأتى للذين ألهاهم التليفزيون عن هذا الشهر الفضيل فأتبعوا أهوائهم وتسرب اليوم وراء اليوم حتى رحل رمضان حزينا باكيا مهموما على حالهم وعلى استقبالهم له وحاله يقول ياترى هل سأراكم العام المقبل هل ستكونوا من ساكنى الدنيا أم من ساكنى القبور؟؟ لماذا لم تغتنمونى ؟؟ لماذا ضيعتمونى ؟؟ هم غفلوا عن هذا الشهر عن قدره وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم:في رمضان ( ينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) رواه الترمذي.
وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ) إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)، وفي لفظ (وسلسلت الشياطين) أي: أنهم يجعلون في الأصفاد والسلاسل، فلا يصلون في رمضان إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره.
وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، ففيه يحبس المسلم نفسه عن شهواتها ومحبوباتها، ولهذا كان الصوم نصف الصبر، وجزاء الصبر الجنة، قال تعالى( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر:10}
وهو شهر الدعاء قال صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم) رواه أحمد.
وهو شهر الجود والإحسان ؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الصحيح- أجود ما يكون في شهر رمضان.
وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل ألف شهر، والمحروم من حرم خيرها، قال تعالى{ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر:3)، و عن أنس رضي الله عنه قال : دخل رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم) .
اللهم لا تجعلنا من المحرومين واصرف عنها الهوى وسوء النفس وأجعلنا ممن وعى إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك ، فعرف له حقه, فقدره حق قدره، وأغتنم أيامه ولياليه، ففاز برضوان الله والعتق من النيران .
سؤال أخير هل تهيأت لإستقبال شهر رمضان كما تستعد لإستقبال أى ضيف ؟؟ هل حضر كل منها نظام وجدول لإستقبال شهر القرآن حتى لا يفوته شئ من الأجر أم مازلنا لم ننتبه بعد أنه قادم قريبا بشوق لنا فهل اشتقنا نحن له ؟! اللهم بلغنا رمضان .