أساليب التعليم من سيرة الحبيب محمد - صل الله عليه وسلم -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، أما بعد:
أحبتي الكرام: إن المتأمل في تاريخ الإنسانية كلها، وفي سِيَر العظماء والعباقرة، والمفكرين والقادة؛ الذين يسَّر الله على أيدي بعضهم تغيير مجرى التاريخ، والتأثير الهائل في عقول وأفكار هذه الإنسانية؛ يجد أن هؤلاء العظماء كانوا في هذه الدنيا كَزِر الكهرباء يُضغط عليه ضغطة فتضيء الدنيا، وتشرق القلوب، وتستبشر الأكوان، وهذا ما حصل من رُسل الله - عليهم الصلاة والسلام -
كالبــدر من حيث التفت رأيته يهدي إلى عينيك نوراً ثاقباً
كالشمس في كبد السماء وضوؤها يغشى البلاد مشارقاً ومغارباً
كالبحــر يقذف للقريب جواهراً جوداً ويبعث للبعيد سحائب1
وضغطة أخرى على ذلك الزر فتُظلِم الدنيا، وتسْودُّ القلوب، ويعمُّ الظلم، وتُقمع الفضائل، وترتع المنكرات والرذائل؛ وهذا ما حصل من مشركي العالم وبغاته، ومجرمي الدنيا وطغاتها؛ الذين دوخوا الدنيا بفسادهم، وأضلوا العالم بأفكارهم
بالذل والأسر والتشريد إنهم على البرية حتف حيثما نزلو2
كفرعون وقارون وهتلر3 وأتاتورك4وعفلق5، وفي حاضرنا بوش وشارون وباراك وغيرهم ممن كانوا نُقَطاً سوداء في صحيفة التاريخ.
ثم يتساءل المرء: ما هذا الفارق الكبير بين هؤلاء وأولئك؟
والجواب بسهولة: أن أولئك رباهم المولى - جل وعلا - فأحسن تربيتهم كما قال - تعالى - عن موسى - عليه السلام -: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}6، وكما قال - عز وجل - عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}7، أما هؤلاء فلم يربهم غير الطاغية الكبير إبليس الرجيم، فلم يهذبهم دين، ولم يردعهم عقل، بل تؤزهم الشياطين إلى الشر أزّاً، وتوحي إليهم بالطغيان وحياً: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}8، هكذا ضلَّ وأضلَ هؤلاء، وكذلك أشرق أولئك.
إذن أحبتي الكرام: لم يخرج الجميع للتاريخ، وينبغوا ويؤثروا في هذا العالم؛ إلا بمؤثر خارجي؛ لأن الله - تعالى - يقول: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}9، فهم خرجوا جميعاً من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، وانظر قوله - جل وعلا - هنا: {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} يعني فتَعلَّموا - وهذا هو المؤثر - حتى عَلِموا شيئاً في هذه الدنيا، ثم تأثروا بذلك العلم، ثم أثروا به على من حولهم من البشرية، لكن ماذا تعلموا؟ وكيف أثَّروا؟
لقد تعلم هؤلاء الضالين المضلين الكفرَ والإلحاد، والزيغَ والفساد {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}10، ويكفي مثالاً لكل هؤلاء ما كان يكرره أتاتورك دائماً فيقول: "وددت لو كان في وسعي أن أقذف بجميع الأديان في البحر"11، أما أولئك الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ومن بعدهم من الصالحين فهم مع فطرتهم لا يميلون عنها، فقد أراهم الله شرعَه، وعلَّمهم دينَه بعد أن علم الله منهم الإخلاص والصدق في طلب الحق وقبوله {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}12، فزادهم الله توفيقاً ورشاداً، وذيوعاً ولموعاً، فذهبوا يضيئون للبشرية من ذلك الضياء الذي رزقهم ربهم، فيُؤثِّرون ويُعلِّمون ويُرشدون، لكن تشهد السماوات السبع والأرضون السبع أنها لم ترَ من البشرية معلماً ناجحاً، ومربياً متفوقاً كمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ويشهد لذلك التاريخ والواقع، فانظر إلى القادة الأفذاذ: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - وأرضاهم؛ عند من تعلموا؟ ومن أين تخرج البطل المغوار خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، وعند من تربت سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها -؟ ومن أين تخرجت فقيهة الإسلام عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وزوج الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنها -؟ لقد تربوا جميعاً على يديه - صلى الله عليه وسلم - فكيف رباهم؟ وكيف علمهم؟ وكيف أثر في نفوس أصحابه، بل حتى في نفوس أعدائه حتى قال أحدهم قبل إسلامه - وهو عبد الله بن سلام -: "لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة انجفل13 الناس قِبَله، وقيل: قد قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ثلاثاً)، فجئتُ في الناس لأنظر فلما تبيَّنتُ وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب"14، يا الله حتى لغة الوجه وتعبيراته تشهد له - صلى الله عليه وسلم - فسبحان من علمه وأيده!!.
فهلموا بنا نعيش هذه اللحظات في بستان تعليمه - صلى الله عليه وسلم - كيف كان يعلم، وكيف كان يؤثر، وكيف كان يربي؛ ليرقى المعلمون والمربون جميعاً بمستواهم، فيرتفعوا بهذا الجيل إلى ذرى قمم البذل والتقدم، ويجعلوهم مؤثرين لا متأثرين بهذه الحضارة، وقادة لا مقودين، حتى يقول فيهم التاريخ:
هم القومُ إن قالوا أصابُوا وإن دُعوا أجابُوا وإنْ أَعطوا أَطابوا وأَجْــزلوا
وما يَستطيع الفاعلون فِعــالَهـم وإنْ أَحسنوا في النائبــات وأَجملو15
يقول معاوية بن الحكم السلمي: ((فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه؛ فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني))16، فما أحوج المعلِّمين إلى التعلم من آدابه وأخلاقه، وحسن تعليمه، وأساليبه.
فمن أساليب تعليمه - صلى الله عليه وسلم -:
أولاً: في العرض:
وهذا بالنسبة لخطبه ومواعظه العامة والجامعة، فلقد كان له - صلى الله عليه وسلم - في عرضه لما يريد قوله وإيصاله للمستمعين بعض الأساليب الحكيمة منها:
1. أسلوب السكوت أثناء الإلقاء لجذب الانتباه:
وذلك كحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بغير اسمه؟ (أتدرون أي يوم هذا)؟... (أي شهر هذا)؟ ... (أليس ذو الحجة)؟ ... (أي بلد هذا)؟ الحديث"17، وهم بعد كل سؤال يقولون: "الله ورسوله أعلم"، فيسكتون حتى يظنون أنه سيسميه بغير اسمه؛ وفي هذا فائدة عظيمة في إثارة انتباه السامعين، وجذباً عبقرياً لعقولهم.
2. أسلوب طلب الاستنصات والإصغاء:
مثال ذلك حديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع: ((استنصت الناس))، ثم قال: ((لا ألفينكم بعدما أرى ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))18 يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "وذلك أن الخطبة المذكورة كانت في حجة الوداع، والجمع كثير جداً، وكان اجتماعهم لرمي الجمار وغير ذلك من أمور الحج، وقد قال لهم خذوا عني مناسككم كما ثبت في صحيح مسلم، فلما خطبهم ليعلمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات"19.
3. أسلوب فن التعامل مع الصوت رفعاً وخفضاً:
نجد ذلك في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: «صبحكم ومساكم»20، وفي هذا الأخذ بتلابيب القلوب، وجذبها إلى المتكلم بشدة، وكذلك القضاء على التشويش إن وجد من بعض المستمعين.
6. أسلوب الحكاية:
وذلك كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى بن مريم ...- ثم قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "فكأَني أَنْظر إلى رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يحْكِي عليَّ صنِيعَ الصبِيِّ، وَوَضْعَهُ إِصبَعهُ في فَمِهِ، فجعل يَمُصُّها"21.
ثانياً: أساليبه - صلى الله عليه وسلم - في دروسه ومواعظه الصغيرة والفردية:
1. أسلوب طرح السؤال على المتعلم:
"حيث كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يسأل أصحابَه - رضي الله عنهم - عن أشياء لِلَفْت أنظارهم إلى الاستعداد لجوابها، فيقولون: الله ورسوله أعلم، ثم يُجيبهم، كما في حديث عمر - رضي الله عنه -: ((يا عمر أتدري مَن السائل؟))22، وكما في حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: ((أتدري ما حقُّ الله على العباد، وما حقُّ العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم... ))23"24، وحديث: ((أخبرونى بشجرة مَثَلها مثل المسلم تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها...))25، إلى غير ذلك من الأسئلة التي كان يطرحها - صلى الله عليه وسلم - لجذب الانتباه والتركيز على الجواب ثم يجيب عليها.
2. أسلوب التشويق بالوعد بفائدة قيمة، ثم التغافل حتى يطلب المتعلم تلك الفائدة بنفسه:
وانظر ذلك في حديث أبي سعيد بن المعلّى - رضي الله عنه - عندما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد))، قال: ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل "لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن"؟ قال: {الحمد لله رب العالمين} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته))26.
3. أسلوب ترك أثر عند المتلقي حتى لا ينسى كأخذ يد المتعلم أو فرك أذنه:
مثل حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - لما قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من يأخذ من أمتي خمس خصال فيعمل بهن، أو يعلمهن من يعمل بهن؟ قال: قلت أنا يا رسول الله، قال: فأخذ بيدي فعدهن فيها، ثم قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب))27.
4. استخدام العدد والإشارة للتوضيح:
مثلما جاء في حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى))28، وحديث: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ...))29، وفي هذا الأسلوب تقريب المعنى المراد، وحصر الفائدة؛ ليستقر المعنى المطلوب، ويسهل الحفظ على السامع.
5. أسلوب استخدام تعبيرات الوجه:
كما في حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت قرام30 فيه صور، فتلون وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور))31، وكما روي أيضاً عن جرير - رضي الله عنه - قال: "ما حجبني النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي".
6. أسلوب استعادة السؤال من السائل، ثم الثناء على سؤاله:
كما في الحديث الصحيح أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ قال: فكف النبي - صلى الله عليه وسلم-، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: ((لقد وُفِّق أو لقد هُدي، قال: كيف قلت؟ قال: فأعادها...))32، فانظر إلى فطنة هذا المعلم حيث لم يجبه - صلى الله عليه وسلم - مباشرة حتى نظر إلى أصحابه، وأثنى على السائل في سؤاله، واستعاده السؤال حتى يُعلِّم المستمعين جميعاً أهمية ذلك السؤال، وفي ذلك فائدة مهمة، وتنبيه لطيف من المعلم للتلاميذ؛ حتى ينتبه من كان غافلاً، ويستعد من كان منتبهاً، فيعقل الجميع الجواب.
7. تغيير وضع الجلوس:
تجد ذلك في الحديث عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر))؟ قلنا: بلى يا رسول الله!! قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، - وكان متكئا فجلس فقال - ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور)) فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت"33.
وقد جمع - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ثلاثة أساليب للتعليم: أسلوب سؤال المستمع عن إرادته للفائدة أم لا، ثم أسلوب تغيير وضع الجلوس، ثم أسلوب تكرار الكلام المراد التنبيه عليه، وفي هذا من الفوائد التعليمية الشيء الكثير لمن تأمل ذلك.
8. أسلوب التطبيق العملي أمام المتعلمين:
وهذا من أهم أساليب التعليم نفعاً، وأعظمها أثراً في نفوس التلاميذ؛ فلهذا نجد النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذه كثيراً في تعليمه، من ذلك ما روه سهل بن سعد - رضي الله عنه - وفيه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر قال: ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عليه فكبر وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: ((يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي))34.
9. أسلوب الإقناع العقلي:
وهذا كذلك من أهم أساليب التعلم وأصعبها غالباً، وهي هدف المربي والمعلم في المتربي والمتعلم، وبدونها يكون المعلم والمربي كمن يكتب في الماء وينفخ في رماد، لكن محمداً - صلى الله عليه وسلم - المؤيد بالوحي أعطى هذا الأسلوب أكبر اهتمام، من ذلك ما رواه أبو أمامة - رضي الله عنه - قال: "إن فتى شاباً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا!!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: أدنه، فدنا منه قريباً قال فجلس قال: ((أتحبه لأمك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك! قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم)) قال: ((أفتحبه لابنتك؟)) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك! قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)) قال: ((أفتحبه لأختك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك! قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم))قال: ((أفتحبه لعمتك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك! قال: ((ولا الناس يحبونه لعماتهم)) قال: ((أفتحبه لخالتك)) قال: لا والله جعلني الله فداءك! قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم)) قال: فوضع يده عليه وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه))، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"، ولقد اتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أساليب كثيرة منها: اللين في حكمة، وعدم ترويع السائل الجاهل، وطلب دنو السائل واقترابه، ومنها: الإقناع العقلي، ثم ختم ذلك بالدعاء لذلك السائل، وهذا ما يغفل عنه كثير من الآباء والمربون والمعلمون أي الدعاء.
10. أسلوب استخدام وسائل التوضيح كالرسومات وغيرها:
وقد ظهر ذلك جلياً فيما رواه أبو مسعود - رضي الله عنه - قال: ((خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: ((هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به -، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض؛ فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا))35، وفيه من الفوائد التعليمية: رسوخ المعلومة في عقل المتعلم، ومن فطنته - صلى الله عليه وسلم - أنه اتخذ هذا الأسلوب هنا لأعظم شيء يتأكد على الإنسان تذكره وهو الأجل، وهو الذي قال فيه - عليه الصلاة والسلام - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات (يعني الموت)))36، وبعد هذا الخط لن ينساه أصحابه - رضوان الله عليهم -، وقد كان.
11. أسلوب الحث على المراجعة والمذاكرة:
وهذا لابد منه أن ينبه المعلم والمربي من يقوم على تعليمهم أو تربيتهم أن يذاكروا ويراجعوا دروسهم؛ حتى يكونوا على صلة معه، وحتى إن أشكل عليهم شيء رجعوا إليه، نجد ذلك في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تعاهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفَصِّي37 من الإبل من عقلها))38.
وأخيراً فإن المتقصي لهذا الموضوع لابد له من وقت أطول، واستنباط أدق، لكننا نعلن عجزنا عن تقصي ذلك في هذه العجالة، فنكتفي بهذا القدر، ونسأل الله - تعالى - أن يكون في ذلك الخير والفائدة المرجوة.
لكن لابد لنا ونحن نختم هذا الموضوع الماتع المهم أن ننبه تنبيهاً نراه في غاية الأهمية وهو أنه لابد أن نعلم أن استخدام هذه الأساليب أو بعضها لا يكون في كل درس، وفي كل وقت، ومع كل التلاميذ والأبناء والمدعوين، وهكذا ما كان يتخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه - رضوان الله عليهم -.
والحمد لله رب العالمين
1 يتيمة الدهر للثعالبي (ج1/ص57).
2معجم الأدباء (ج1/ص440).
3 أدولف هتلر مؤسس النازية، ولد بتاريخ20 أبريل 1989م ببلدة (برادناو) من أعمال النمسا، وكانت وفاته بتاريخ30 أبريل 1945م
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 3/showthread.php?t=519، محيـط -
4 مصطفى كمال أتاتورك الذي أسقط الخلافة الإسلامية العثمانية بتاريخ 3 مارس 1924 م، ولد في (12 مارس/ آذار 1881م، وكانت وفاته10 نوفمبر تشرين الثاني 1938م.
5 ميشيل عفلق من مواليد دمشق لعام 1910م، وأحد مؤسسي حزب البعث، كانت وفاته 1989م في العراق .ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
6 سورة طه (39).
7 سورة الشرح (1).
8 سورة الأعراف (27).
9 سورة النحل (78).
10 سورة الصف (5).
11 تحت عنوان: أعداء الهوية الإسلامية من الداخل - جزء من محاضرة لمحمد إسماعيل المقدم -بعنوان: الهوية الإسلامية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]12سورة محمد (17).
13 انجفلوا: أي ذَهبوا مُسرِعين نَحوه. (النهاية في غريب الأثر لابن الأثير ج1/ص780).
14 رواه الترمذي برقم (2485)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (569).
15العقد الفريد (ج2/ص314).
16رواه مسلم برقم (1227).
17 رواه البخاري برقم (4144)، ومسلم برقم (4477).
18 رواه البخاري برقم (6669)، ومسلم برقم (232)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (3597) واللفظ له، وقد صحح هذا اللفظ الألباني - رحمه الله - في صحيح سنن النسائي برقم (4132).
19 فتح الباري لابن حجر (ج1/ص217).
20 رواه مسلم برقم (2042).
21 رواه أحمد برقم (8057)، تعليق شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
22 رواه مسلم برقم (102).
23 رواه البخاري برقم (2701)، ومسلم برقم (153).
24 شرح حديث جبريل في تعليم الدين للشيخ عبد المحسن العباد (ج1/ص85).
25 رواه البخاري برقم (5792).
26 رواه البخاري برقم (4204).
27 رواه أحمد في مسنده برقم (8081)، وقال شعيب الأرناؤوط : حديث جيد.
28 رواه البخاري برقم (4998).
29 رواه البخاري برقم (16)، ومسلم برقم (174).
30 قال ابن الأثير: السِتْر الرقيق، وقيل: الصَّفيق من صوف ذي ألْوان، وقيل: القِرام: السِتر الرقيق وراء السِتْر الغليظ ولذلك أضاف. النهاية في غريب الأثر (ج4/ص76).
31 رواه البخاري برقم (5758).
32 رواه مسلم برقم (113).
33 رواه البخاري برقم (5631).
34 رواه البخاري برقم (875)، ومسلم برقم (1244).
35 رواه البخاري برقم (6054).
36 رواه الترمذي برقم (2307)، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي في نفس الرقم: حسن صحيح.
37قال ابن الأثير: أي أشد خُروجاً، يُقال: تَفَصَّيْتُ من الأْمر تَفَصِّياً: إذا خرجْتَ منه وتَخَلَّصْت. إ .هـ النهاية في غريب الأثر (ج3/ص871).
38 رواه البخاري برقم (4746).