أبو عبد الله عمرو بن العاص
ولاة مصر، ومن ولي الصلاة، ومن ولي الحرب والشرطة، منذ فتحت إلى زماننا هذا، ومن جمع له الصلاة والخراج؛ على اسم الله وعونه، وصلى الله على محمد وآله.
1 - أبو عبد الله عمرو بن العاص
ابن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بم عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك، وأمه النابغة بنت خزيمة، من عنزة حدثني السكن بن محمد بن السكن التجيبي قال: حدثنا محمد بن داود بن أبي ناجية المهري قال، حدثني زياد بن يونس الحضرمي قال: حدثني يحيى بن أيوب أن خالد بن يزيد وعبيد الله بن ابي جعفر حدثاه، عمن أدركا من مشايخهما - وربما قال خالد: كان حنش بن عبد الله يقول: كان عمرو بن العاص تاجراً في الجاهلية. وكان يختلف في تجارته إلى مصر، وهي الأدم والعطر. فقدم مرة من ذلك، فأتى الإسكندرية. فوافق عيداً لهم يجتمعون فيه ويلعبون. فإذا هموا بالانصراف اجتمع أبناء الملوك، وأحضروا كرة لهم مما عملها حكماؤهم، فتراموا بها بينهم. وكان من شأنها المتعارف عندهم من وقعت في حجره ملك الإسكندرية - أو قالوا: ملك مصر - فجعلوا يترامون بها، وعمرو في النظارة، فسقطت الكرة في حجره. فعجبوا لذلك وقالوا: " ما كذبتنا هذه الكرة قط إلا هذه المرة، وأنى لهذا الأعرابي يملك الإسكندرية، هذا والله لا يكون! " ثم ضب الدهر، حتى فتح المسلمون الشام. فخلا عمرو بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فاستأذنه في المضي إلى مصر، وقال: " إني عالم بها وبطرقها، وهي أقل شيء منعة وأكثر أموالاً. " فكره أمير المؤمنين الإقدام على من فيها من جموع الروم. وجعل عمرو يهون أمرها، وقد أمر أصحابه أن يتسللوا بالليل ثم أتبعهم. فبعث إليه أمير المؤمنين: " كن قريباً مني حتى أستخير الله. " وذلك في سنة تسع عشرة.
وأخبرني أبو سلمة أسامة التجيبي قال: كتب إلي محمد بن داود بن أبي ناجية بذلك. وحدثني علي بن الحسن بن خلف بن قديد الأزدي، عن عبيد الله بن سعيد الأنصاري، عن أبيه قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عمرو بن العاص كان بفلسطين على ربع من أرباعها، فتقدم بأصحابه إلى مصر. فكتب إلى عمر فيه، وكان سار بغير إذن. فكتب إليه عمر بن الخطاب بكتاب أتاه، وهو أمام العريش. فحبس الكتاب ولم يقرأه، حتى بلغ العريش فقرأه، فإذا فيه: " من عمر بن الخطاب إلى العاص بن العاص، أما بعد، فإنه بلغني أنك سرت ومن معك إلى مصر، وبها جموع الروم، وإنما معك نفر يسير. ولعمري لو كان ثكل أمك ما تقدمت! فإذا جاءك كتابي هذا، فإن لم تكن بلغت مصر فارجع " . فقال عمرو: " الحمد لله، أية أرض هذه؟ " قالوا: " من مصر " . فتقدم إلى الفرما، وبها جموع الروم، فقاتلهم فهزمهم.
وذكر ابن لهيعة، والليث، وابن عفير: أن عمراً سار من الفرما، فلقيه الروم ببلبيس، فقاتلوه فهزمهم. ومضى حتى بلغ أم دنين، فقاتلوه بها قتالاً شديداً. وكتب إلى عمر يستمده. ثم أتى إلى الحصن، فنزل عليه فحاصره. وأمير الحصن يومئذٍ المندقور، الذي يقال له: الأعرج - كان والياً عليه من قبل المقوقس بن قرقب اليوناني، والمقوقس إذ ذاك في طاعة هرقل. ثم قدم عليه الزبير بن العوام في المدد.
حدثنا محمد بن زبان بن حبيب الحضرمي، أخبرنا الحاث بن مسكين قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عمرو بن العاص قدم مصر بثلاثة آلاف وخمس مئة، ثلثهم غافق. ثم مد بالزبير بن العوام في اثنتي عشر ألفاً.
حدثنا عبد الملك بن يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثني أبي، عن الليث بن سعد قال: أقام عمرو بن العاص محاصر الحصن إلى أن فتحه سبعة أشهر.
وحدثني يحيى بن أبي معاوية التجيبي قال: حدثني خلف بن ربيعة الحضرمي، عن أبيه، عن أبي لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: فُتحت مصر في يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين.
وحدثنا علي بن الحسن بن قديد وأبو سلمة قالا: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان عدة الجيش الذي مع عمرو، الذين فتحوا مصر، خمسة عشر ألفاً وخمس مئة.
وقال عبد الرحمن بن سعيد بن مقلاص: كان الذين جرت سهامهم في الحصن من المسلمين اثني عشر ألفاً وثلاث مئة، بعد أن أُصيب منهم في الحصار بالقتل والموت.
وقال سعيد بن عفير عن أشياخه: لما حاز المسلمون الحصن بما فيه، أجمع عمرو على المسير إلى الإسكندرية. فسار إليها في ربيع الأول سنة عشرين. وأمر بفسطاطه أن يقوض، فإذا بيمامة قد باضت في أعلاه، فقال: " لقد تحرمت بجوارنا. أقروا الفسطاط حتى تنقف وتطير فراخها " . فأقروا الفسطاط، ووكل به أن لا يهاج حتى تستقل فراخها، فلذلك سميت الفسطاط فسطاطاً. وحاصر عمرو الإسكندرية ثلاثة أشهر، ثم فتحها عنوة، وهو الفتح الأول. ويقال: بل فتحها مستهل سنة إحدى وعشرين. ثم سار عمرو إلى أنطابلس - وهي برقة - فافتتحها بصلح في آخر سنة إحدى وعشرين. ثم مضى منها إلى أطرابلس، فافتتحها عنوة سنة اثنتين وعشرين. وقال الليث بن سعد في تاريخه: فتحها سنة ثلاث وعشرين.
قال: وقدم عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب قدمتين. قال ابن عفير: استخلف في إحداهما زكرياء بن جهم العبدري، وفي القدمة الثانية ابنه عبد الله بن عمرو.
وتوفي أمير المؤمنين عمر في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وبايع المسلمون أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه. فوفد عليه عمرو بن العاص. فسأله عزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري عن صعيد مصر، وكان عمر ولاه الصعيد قبل موته. فامتنع عثمان من ذلك، وعقد لعبد الله بن سعد ابن أبي سرح على مصر كلها. فكانت ولاية عمرو على مصر صلاتها وخراجها، منذ افتتحها إلى أن صرف عنها، أربع سنين وأشهراً. فكان على شرطه في ولايته هذه كلها خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، في قول الأشياخ؛ إلا أن سعيد بن عفير قال: دخل عمرو مصر، وعلى شرطته زكرياء بن جهم بن قيس بن عبد بن شرحبيل ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار. قال: ثم عزله وجعل مكانه خارجة ابن حذافة