الثلاثة التي تجعل بينك وبين الله حجاب
هناك أسباب ثلاثة تحجب قلبك عن الله عز وجل، والعياذ بالله، اللهم لا تحجب قلوبنا عنك يا رب! أول سبب: الفرح بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح، هذه الثلاثة التي تجعل بينك وبين الله حجاب، أو تمنع نور الإيمان أن يغشى قلبك، أو أن يتسرب إلى قلبك، أو أن يتشربه قلبك
الفرح بالموجود
أول سبب: الفرح بالموجود، وهو أن تفرح بالشيء الذي في يدك، فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص؛ لأن سبب طرد أبينا آدم عليه السلام من الجنة إلى الأرض أنه كان حريصاً، قال الله له: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [الأعراف:20] فكان حريصاً على أن ينتقل من حال إلى حال، إما أن يكون ملكاً، وإما أن يخلد في الدنيا، وهذا الثاني حرص على الحياة، أما الحرص الأول على أن يكون ملكاً فهو حرص جيد. لكن إبليس أقسم لأبينا آدم: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] وقلنا قبل ذلك إن ابن آدم قال لأبيه: يا أبت! كيف تطيع الشيطان وتعصي الرحمن؟ قال: يا بني! والله ما ظننت أن أحداً يقسم بالله كاذباً، وقد ذكر الله الشهوات في آل عمران: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ [آل عمران:14]، فعدد الشهوات الخمس التي كلنا نريدها ونغرق فيها، هكذا يفرح الإنسان بالموجود.
الحزن على المفقود
السبب الثاني الحزن على المفقود: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا لنسأل بعدها عن كل شي الكارثة أن الدنيا ليست النهاية، فالإنسان منا يحزن بعد الفرح، فعندما يفقد العافية يحزن، فإذا حزن فهو ضعيف الإيمان؛ لأن الحزن على المفقود دليل ضعف اليقين عند العبد، فلا تحزن إلا إذا رأيت نفسك بعيداً عن الله، ويكون ذلك بأن تعصيك جوارحك فلا تستطيع أن تسيطر عليها، ولا أن تتحكم فيها، فعيناك مثل برج المراقبة، تتطلعان في الذاهب والآتي، والذاهبة والآتية، وأذناك تسمعان الفكاهات والأغاني والموسيقى، والغيبة والنميمة، والكلام السيئ، والخوض في أعراض الناس، ولسانك يخوض في الأعراض، ويسب ويلعن، وقلبك لست قادراً على أن تسيطر عليه من الحسد والكبر والحقد والضغينة، ويدك ليست قادرة على أن تتوب عن الاختلاس والرشوة، والامتداد إلى ما حرم الله، ومصافحة النساء، ورجلك لا تقدر أن تقصرها عن الذهاب إلى أماكن اللهو واللعب وأماكن البعد عن الله سبحانه وتعالى، يعني: تخيل الناس الذين يقعدون في الأستاد ينفعلون مع الكرة، تجده يأتي منفعلاً، ويذهب منفعلاً، ويضرب على دماغه، وربما تأتي له سكتة قلبية، ولو مات في الأستاد فإنه يسمى: شهيد الكرة، فأين يذهب من الله؟!
سوف يبعث يوم القيامة يحيي، يحيي من؟! ويهتف لمن؟! لذلك عرفنا التقوى في كلمة: وهي ألا يجدك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، مثاله: روى الترمذي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل له ثلاثمائة نظرة إلى العبد المؤمن كل يوم، ومن نظر الله إليه نظرة فلن يعذبه يوم القيامة، إلا صاحب الشاة)، وصاحب الشاة هو الذي يلعب الشطرنج، سبحان الله! تخيل رجلاً يظل يلعب: كش ملك.. كش ملك، لمدة ثلاث أو أربع أو خمس ساعات في اليوم، يقول لك: هي تنمي الذكاء، لا إله إلا الله! لا تضيع وقتك في ما لا يرضي الله؛ ولذلك: (لاعب الشطرنج كمن يأكل لحم الخنزير والناظر إليه كالغامس يده في دم الخنزير) هذا كلام الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وهناك مصيبة ثانية وهي لعب النرد، والنرد حرام، فربنا سبحانه وتعالى عندما ينظر إلي نظرة وأنا جالس ألعب شطرنج وألعب النرد وأعصي الله، وجالس أمام التلفاز أخوض في أعراض الناس، وأتحدث عن هذا، وأخوض في عرض هذا، فكيف تكون النظرة؟! إن الله عز وجل خبأ رضاه في طاعته، وخبأ سخطه في معصيته، فربما في لحظة من لحظات الطاعة ينظر إليك الله نظرة، فيقول: إني قد رضيت عنه فلن أسخط عليه بعد ذلك، فتحصل لك السعادة في الدارين، اللهم اجعلنا منهم يا رب!
السرور بالمدح
السبب الثالث: أن تسر بالمدح: (احثوا في وجوه المداحين التراب)، (ومدح رجل رجلاً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قصمت ظهر أخيك) أي: كسرته؛ لأن العبد منا يريد المدح والثناء، وبعض المسئولين في الدول المتخلفة عندما يلتقي بعضهم مع بعض كل واحد يقول للآخر: أنت ليس أحد مثلك! وبدونك سنضيع! فيقول في نفسه: أنا عمر بن الخطاب أنا علي بن أبي طالب أنا ليس أحد أفضل مني، ويبدأ يمدح نفسه. فيقول صلى الله عليه وسلم: (احثوا في وجوه المداحين التراب)، ولذلك إذا أردت أن تمدح أخاك المسلم فقل: أحسبه كذلك، ولا أزكيه على الله، كان سيدنا أبو بكر يمدحه سيدنا عمر نفسه ويقول: يا ليت لي يوم وليلة من أيام وليالي أبي بكر
! قالوا: ما هي الليلة وما هو اليوم؟ قال: أما اليوم فيوم الردة، حيث وقف وحده وقال: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، والله لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة. والليلة الثانية: يوم أن بات مع الرسول في الغار أيام الهجرة. ولذلك عندما كان يصله المدح رضي الله عنه يقول: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيراً مما يظنون. وهذا تواضع منه، فهذه عظمة الصديق تلميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما نأتي لنذكر مثل هذه القصص وإن كانت معادة لكنها تشرح الصدور، نحن أتينا من بيوتنا ومن شغلنا فمنا من صدره ضيق، ومنا من أغضبته امرأته، ومنا من رفع عليه قضية، نسأل الله أن يجعل شرح صدورنا في بيته، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
قال عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين: يا معشر صحابة رسول الله! ليتمن كل واحد منكم أمنية، قال أولهم: أما أنا فأتمنى جبلاً مثل جبل أحد من الذهب والفضة كي أنفقه في سبيل الله تعالى! وقال الثاني: أتمنى وادياً كوادي عوف مليئاً بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى. وأنت يا أمير المؤمنين ما هي أمنيتك؟ قال: أمنية عزيزة! حيث قال: أتمنى مسجداً مثل هذا المسجد مليئاً برجال من أمثال أبي بكر الصديق . يتمنى أماني عظيمة، يتمنى مسجداً مليئاً رجال أمثال صديق الأمة هذا! فالمسلم يستطيع أن يقترب من الله عز وجل بأن يمنع الموانع التي تحجبه عن الله، فتحجب القلوب عن هذه الثلاثة: الفرح بالموجود، والحزن على المفقود، والسرور بالمدح.